Alexander the Great
(Arabic Edition)
if you need this subject in English go : Alexander the Great | English Edition
الإسكندر الأكبر ( Alexander The Great)(336- 323ق.م):
المقدمة :
توفي فيليب المقدوني تاركاً لابنه الإسكندر الأكبر مملكة كبرى. وكان علي الإسكندر الحفاظ على مملكة أبيه منذ اللحظة الأولى لتوليه العرش، ولقد لعبت تنشئته دوراً كبيراً في جعله قائداً عظيماً يمدحه التاريخ، حيث ترك والده تربيته إلى أمه أوليمبياس التي أكسبته كثيراً من صفاتها. كما تعلم الثقافة اليونانية على يد الفيلسوف أرسطوطاليس (Aristotle). وبرع في تعلم الفروسية وهو يبلغ من العمر اثنا عشر عاماً، لذلك أعطاه والده جواده الشهير بوكيفالوس (Bucephalus) أي رأس الثور الذي شاركهُ أسطورته.
في عام 336ق.م اعتلى الإسكندر عرش مقدونيا وعمره عشرون عاماً تقريباً. ولقد واجهته عدة صعوبات كبيرة منذ اللحظة الأولى لاعتلائه للعرش. ولكن كانت لشخصيتِه وثقافتِه أثُر كبيُر جعلتُه يشعر بِمسئوليته الكُبرى ويدرك بين طيات نفسه أنه بطل لا يقهر. وأولى هذه الصعوبات التي واجهة الإسكندر هي ظهور بعض المطالبين بالعرش، ويأتي على رأسهم القائد أنتيباتروس صديق والده الذي بايعه الجيش في بحر مرمرة. وكذلك إعلان القائد أتاللوس (Atallus) خال عروس فيليب تمرده على الإسكندر وقيامه بمبايعة أمونتاس الرابع ابن عم الإسكندر، ولكن الإسكندر استطاع القبض على أتاللوس وأعدمهِ. كما ألقى القبض على أمونتاس وأعدمه هو وأسرته أثناء محاولته للهرب حتى لا يظهر له مطالب جديد للعرش.
ولم يتبق للإسكندر سوى أخيه غير الشقيق آرهيدايوس ( Arrhidaeus) فلم يتعرض له لإصابته بإعاقة عقلية.
وثاني هذه الصعوبات هي تمرد المدن اليونانية التي استقبلت خبر وفاة الملك فيليب بفرح شديد، لاعتقادهم بأنهم حصلوا على حريتهم، وأن الإسكندر لن يكون على قدر كبير من القوة مثلما كان والده. لهذا قامت المدن اليونانية بقطع المعاهدات التي قد عقدتها مع مقدونيا، وطردت الحاميات المقدونية وأعلنت التمرد العام. وتأتى على رأس تلك المدن طيبة التي طردت الحامية المقدونية من قلعة كادميا (Cadmea). وفى أثينا تزعم ديموسثينيس الدعوة للإتحاد ضد مقدونيا من أجل حرية بلاد اليونان. وكذلك إعلان كل من ثيساليا وإمبريقيا (Ambracia) وأيتوليا (Aetolia) الاستقلال. بالإضافة إلى تمرد قبائل التراقيين والإلليريين التي تسكن شمال مقدونيا. وبسبب تصرف المدن اليونانية قام الإسكندر بجمع كبار قادة الجيش المقدوني لتشاور من أجل الاستعداد لحملة تأديبه لدول اليونان المتمردة.
وفي ربيع عام 335ق.م خرج الإسكندر على رأس جيش قوامه ثلاثين آلاف جندي متجهاً إلى ثيساليا فاستسلمت له، وسامح أهلها تكريماً للبطل أخيليوس (Achilles). ثم أتجه إلى كورنثة وسرعان ما أعلنت الولاء له. وأثناء وجوده بكورنثة أرسلت أثينا تطلب الأمان، والخضوع لمقدونيا، فعفا الإسكندرعنهم وأمّنهم على أرواحهم وممتلكاتهم.
ومن ناحية أخرى أراد الإسكندر تأمين حدود مملكته الشمالية قبل بدأ حملته على بلاد الفرس. فاتجه الإسكندر بقواته شمالاً لتصدى لقبائل التراقيين والإلليريين، وعند نهر الدانوب دارت المعركة الكبرى، ومن شدة القتال أُشيع خبر وفاة الإسكندر، ووصلت أخبار وفاته إلىأثينا وطيبة، فأرادت أثينا إعلان التمرد ولكنها تريثت حتى تتأكد من الخبر. أما طيبة فأعلنت الثورة، وقتلت الحامية المقدونية. وأيدتها أثينا التي نادت بسرعة عقد تحالف مع الإمبراطورية الفارسية ضد الإسكندر. وعلم الإسكندر بهذا التمرد، فازداد غضبه بسبب خيانة المدن اليونانية له، فعاد مسرعاً بعد تأمينه للحدود الشمالية، واتجه نحو الجنوب عابراً ممر ثرموبيلاى حتى وصل إلى طيبة، وحاصر قلعة كادميا حتى سقطت في يديِه، وأمر الإسكندر بهدم أسوار طيبة ومعابدها ومنازلها وببيع سكانها في أسواق الرقيق حيث وقع في الأسر ما يقرب عن ثلاثين ألف أسير.
وعندما علمت أثينا بأمر طيبة سارعت بإرسال سفارة إلى الإسكندر ليعبروا عن أسفِهم على سوء سلوكهِم اتجاه مقدونيا. واستقبلت السفارة الأثينية بالترحاب، وقُبِل اعتذار الوفد الأثيني، بشرط نفى زعماء الثورة ضد مقدونيا وعلى رأسهم الخطيب ديموسثينيس. فأعلنت أثينا خضوعها للإسكندر، وعدم قيامها بأي تمرد أثناء حملته على الفرس. وتصرف الإسكندر مع أثينا بهذه الطريقة لأنه كان يؤرقه ما فعله بطيبة. أصبح الإسكندر زعيم بلاد اليونان وفرض سيطرته الكاملة على منطقة البيلوبونيز جنوباً والدانوب ( (Danubeشمالاً وكوركيرا (Korcera) غرباً والدردنيل (Hellespont) شرقاً. وبذلك استطاع الإسكندر إخضاع اليونان، وتدعيم حكمه لمقدونيا خلال عامين من موت والده.
وفى نهاية عام 335ق.م اتجه الإسكندر إلى مدينة كورنثة، ودعي المدن اليونانية إلى الاجتماع، وأرسلت المدن اليونانية سفراءها إلى المؤتمر. وقرر المؤتمر الاعتراف بالإسكندر قائداً عاماً لقوات التحالف اليوناني المقدوني، وتأيد الحملة المقدسة على الدولة الفارسية، وتقديم المساعدات أثناء الحرب المقدسة. كما أشار المؤتمر إلى احترام الإسكندر لاستقلال المدن اليونانية. وبعد ذلك قام الإسكندر بزيارة دلفي ليستشير الآلهة قبل الخروج بالحملة ضد الفرس، ثم أتجه إلى مقدونيا من أجل الإعداد للحملة.
أ) حملة الإسكندر الأكبر على الشرق:
بعد عودة الإسكندر الأكبر إلى مقدونيا وتأمينه لحدودها الشمالية وإخماد تمرد بلاد اليونان. بدأ في الإعداد للحملة الكبرى من أجل القضاء على الإمبراطورية الفارسية. فبدأ بترتيب أمور مقدونيا واليونان، حيث عين القائد أنتيباتروس قائداً عاماً في مقدونيا واليونان تحت أمرهِ اثنتا عشر ألفاً من المشاة وألف وخمسمائة فارس. وفي عام 334ق.م كان قرار الحرب خطوة كبرى لدى الإسكندر ليثبت لنفسه، وللمستشارين المقدونيين، وكبار قواد الملك فيليب أنه قائد قوياً. وقبل خروج الحملة ألقى الإسكندر خطبة أوضح فيها التطور الحضاري الذي أدخله والده على شعب مقدونيا، موضحاً تحول الشعب المقدوني من شعب رعوي إلى سكان مدن ومزارعين.
وفى ربيع عام 334ق.م خرج الإسكندر بجيش كبير لملاقاة القوات المقدونية عند مضيق الدردنيل التي كانت تحت قيادة القائد بارمنيون والتي قد أرسلها فيليب الثاني إلى أسيا الصغرى استعداداً لمحاربة الفرس. واختلفت المصادر حول عدد هذا الجيش. كما عززت الحملة بأسطول يتراوح عدده ما بين مائة وعشرين إلى مائة وستين سفينة، وبلغ عدد أفراد طاقمها حوالي ثمان وثلاثين ألف فرد. واصطحب مع الحملة فرقة من العلماء والباحثين لدارسة طبيعة البلاد المفتوحة.
ومن ناحبة أخرى أثناء عبور الإسكندر بجيشه لبحر مرمرة قلت المؤن، لذلك فكر في العودة إلى مقدونيا وإلغاء الحرب. ولكنه أراد أن يثبت للجيش أنه قائد مقدوني وزعيم يوناني عظيم، كما أراد أن يصنع لنفسِه مجد تاريخي كبير أسوةً بأبيه. لذلك عبر بحر مرمرة، حتى وصل إلى طروادة وقام بزيارة قبر البطل أخيليوس، ثم قام بأداء الصلاة في معبد أثينا بطروادة.
ـ معركة جيرانيكيوس (Granicus)334ق.م:
بعد زيارة الإسكندر لطروادة، عبر نهر جيرانيكيوس (نهر بيجا) ويقع شمال غرب آسيا الصغرى. فوجد القوات الفارسية مرابطة عند النهر بقيادة الوالي الفارسي أُرندباد (Aurandabad)، فدارت المعركة الكبرى، وكاد الإسكندر أن يقتل في تلك المعركة لولا شجاعة قائد حرسِه كلتيوس ((Cletius. وانتهت المعركة بهزيمة الفرس وسيطرة الإسكندر على الإقليم، وأسره لعشرون ألفاً من الجنود اليونانيين المرتزقة. فقام بمعاقبتهم بإرسالهم للعمل بالحقول المقدونية بسبب مشاركتهم في الحرب مع الفرس ضد القوات اليونانية وهذا طبقا لقوانين مؤتمر كورنثة. كما أرسل ثلاثمائة درع للآلهة أثينا، وأمر بتنصيب خمسة وعشرين تمثالاً نحاسياً للجنود الأوائل الذين سقطوا في المعركة بمقدونيا.
بعد تلك المعركة اتجه الإسكندر للاستيلاء على المدن اليونانية بآسيا الصغرى، فاستسلمت له المدن اليونانية واحدة تلو الأخرى ماعدا مدينتا ميليتوس Miletus)) وهاليكارناسوس (Halicarnassus). فحاصرهما لمدة أربعة أشهر حتى سقطوا في يده، وطرِد القائد ممنون الرودسى (Memnon of Rhodes) قائد الجنود المرتزقة بالمدينة، كما طُرِد الأسطول الفارسي، وأجبر المدينتين على الدخول في حلف اليونانيين. وبعدها شرع الإسكندر بترتيب أمور الممالك اليونانية في شمال أسيا الصغرى فأبقى قادة الفرس في أماكنهم بعد أن بايعوه.
وفى عام 333ق.م اتجه الإسكندر جنوباً نحو الأناضول واستولى على فريجيا (Phrygia) وعين القائد أنتيجونوس الأعور (Antigonus the One-Eyed) والياً عليها. وفى الوقت نفسه وصلت الإمدادات العسكرية من مقدونيا ودول الحلف اليوناني. وبعدها أتجه الإسكندر بقواته إلى أنقرة (Ancyra) واستولى عليها، ومنها إلى كبادوكيا (Cappadocia) وقليقيا(كليكيا) (Cilicia) واستولى عليهما، ثم اتجه إلى طرسوس (Tarsus) ومنها إلى إسوس.
ـ معركة إسوس (Issos) 333 ق.م:
بعد أن أمضى الإسكندر وجيشه الشتاء بِكَاملهِ يغزون المدن والقلاع الحصينة في آسيا الصغرى، تابعوا زحفهم جنوبًا حتى وصلوا إلى سهل إسوس المؤدى إلى سوريا. فعلم الإسكندر بوجود الملك الفارسي هناك، وأنه يقوم بجمع شمل قواته. ومن ناحية أخرى علم الملك داريوس بسير قوات الإسكندر من الشمال بقيادة بارمنيون، فأمر بمهاجمة الجرحى المقدونيين وقتلهم. فغضب الإسكندر واتجه لملاقاة الجيوش الفارسية التي يزيد عددها عن مائة ألف من الفرس والجنود المرتزقة تقريباً، أما قواته فيبلغ عددها أربعون ألف تقريباً.
وفى نوفمبر عام 333ق.م دارت معركة أسوس القوية وغير المتكافئة العدد. وكان لكبار قادة الإسكندر دور كبير في تلك المعركة وعلى رأسهم القائد بارمنيون؛ فلم يصمد الفرس طويلاً، وفر الملك داريوس الثالث هارباً من المعركة وتبعته قواته، وسقط إقليم سوريا في يد الإسكندر، كما وقعت زوجة الملك الفارسي وأسرته في الأسر. وغنم المقدونيون كنزًا عظيمًا كان قد حمله معه، بالإضافة إلى كميات هائلة من المؤن والأسلحة. كما أمر الإسكندر في إنشاء مدينة بالقرب من إسوس تخليداً لهذا النصر عرفت باسم الإسكندرونة. بعد تلك الموقعة خطب الإسكندر فى جنوده ليحثهم على القتال من أجل اليونان.
ومن ناحية أخرى أرسل الملك داريوس الثالث يعرض الصلح على الإسكندر الأكبر. ويذكره بالمعاهدات السابقة بين ملوك مقدونيا وأسلافه من الفرس، ويعرض عليه إطلاق سراح الأسرى مقابل فدية كبيرة من المال، واحتفاظه بكل ما استولى عليه من مدن آسيا. فأجتمع الإسكندر بقواده وأرسل رداً على رسالة داريوس موضحاً هجوم أسلافه من الفرس على اليونانيين، وأنه جاء من أجل الانتقام. وبذلك رفض الإسكندر العرض لأنه يريد مملكة الفرس كاملة وبذلك أصبح القتال هو الحل الحاسم والوحيد بين الطرفين.
ومن الجدير بالذكر أن الإسكندر لم يتبع أثر الملك الفارسي بل قام بالاستيلاء على مدن الساحل الشرقي للبحر المتوسط، من أجل تضيق الخناق على الأسطول الفارسي الذي كان يتخذ من هذه المواني قاعدة له لتقديم المساعدات للملك الفارسي، وكذلك لسهولة الاتصال الإسكندر مع اليونان من أجل وصول الإمدادات والاطمئنان على شئونها الداخلية.
كان انتصار الإسكندر الأكبر في موقعة إسوس صدى واسع على كل من بيبلوس Byblos)) جبيل الحالية، وصيدون ((Sidon صيدا الحالية حيث أعلنت تلك المدن تبعيتها إلى الإسكندر. تابع الإسكندر حملاته حتى وصل إلى مدينة صور (Ture) وطلب من أهلها زيارة معبد هرقل الموجود بالمدينة ولكنهم رفضوا تلك الزيارة وأصروا على مقاومة الإسكندر، والحفاظ على ولائهم للملك الفارسي. أجتمع الإسكندر بكبار قادته لتشاور في موقف صور العدائى والوضع الراهن في منطقة الشرق واستقر الأمر على احتلال صور.
كانت صور تطل على البحر المتوسط وتحيط بها الأسوار التي يبلغ ارتفاعها حوالي مائتان قدم عن سطح البحر، هذا بالإضافة إلى جزيرة تبتعد عن المدينة حوالي نصف ميل تقريباً. اجتمع الإسكندر مرة أخرى بعدد من القواد والمهندسين وعلى رأسهم القائد برديكاس من أجل كيفية الاستيلاء على المدينة حيث كان يصعب السيطرة عليها من البحر. فأشاروا عليه الاستيلاء على المدينة أولاً وإقامة الأبراج الخشبية من أجل تدمير الأسوار المنيعة ثم يتم بناء جسر يصل المدينة بالجزيرة ليستولى عليها. وبالفعل قام الإسكندر بمحاصرة المدينة لمدة سبعة أشهر حتى سقطت في يده، ثم قام بناء الجسر، فعبر البحر، وفرض الحصار على صور الجزيرة من الناحية الجنوبية. وعقب وصول أسطوله بقيادة هيفايستوس (Hephaestus) سقطت المدينة في يوليو 332ق.م، وأمر الإسكندر بهدم أسوارها، وقتل رجالها، وبيع نساءها وأطفالها في أسواق العبيد. واحتفل الإسكندر بالنصر وقدم القرابين في معبد هرقل. وأمر بإرسال بعض من الغنائم إلى أسرته باليونان ولمعلمه ليونداس (Leonidas).
عقب فتح الإسكندر لصور جاءته رسالة من الملك الفارسي داريوس الثالث يعرض الصلح عليه في مقابل إطلاق سراح زوجته وباقي أسرته من الأسر مقابل عشرة آلاف تالنت من الذهب كفدية، أن يتزوج الإسكندر مما يريد من بناته، وأن يطلق يد الإسكندر في جميع الأراضي التي تقع غرب نهر الفرات. فاجتمع الاسكندر مع قوادة وأشار عليه القائد بارمنيون قبول الصلح ولكنه رفض وقال له " لو كنت بارمنيون لقبلتها".
أكمل الإسكندر فتوحاته فوصل إلى غزة، فوجدها محصنة حيث تقع على ربوة عالية تحيط بها الأسوار من جميع الجهات بالإضافة إلى الخنادق، كما تطل على البحر من الناحية الشرقية. كما وجد بها الحامية الفارسية قد أخذت استعدادها بقيادة القائد باطيس (Batis). ومن ناحية أخرى كان الاسكندر يدرك سهولة الاستيلاء على المدينة ولكن المهندسين العسكريين أشاروا عليه أنه من الصعب الاستيلاء على المدينة بقوة الجيش. لذلك عليه الدوران حول المدينة لتحديد مكان الهجوم عليها، فوجدوا ضعف أسوار المدينة من الناحية الجنوبية. وأشاروا علي إقامة تلال رملية بجوار الأسوار ووضع عليها الأبراج الحربية لتدميرها. ولقد وافق الإسكندر على ذلك وبهذه الطريقة استطاع الاستيلاء على غزة بعد قتال عنيف، خرج منه مصاباً بجرح خطير في كتفه. وفعل الإسكندر في أهل المدينة ما فعله في أهل صور، كما قتل قائد الحامية باطيس ودار به أرجاء المدينة.
ـ فتح مصر 332ق.م:
عقب فتح غزة أصبح الطريق مفتوحاً إلى مصر. وفي خريف عام 332ق.م اتجه الإسكندر إلى مصر، وفى نفس الوقت أرسل أسطولاً بحرياً بقيادة هيفايستوس ليؤمن السواحل المصرية. فوصل الإسكندر إلى مدينة الفرما الحالية بوابة مصر الشرقية، ووجد الحامية الفارسية قد أخذت استعدادها، ولكنه استطاع الاستلاء عليها، ثم اتجه إلى الداخل فوجد القائد الفارسي مازاكيس (Mazaces) في استقباله ليسلم له مصر.
وصل الإسكندر إلى منف، واستقبل استقبال الفاتحين لأنه حرر المصريين من الفرس وحكمهم المستبد. فأصبحت مصر وطناً مفتوحاً أمام اليونانيين كما كان في السابق. وأقيمت الاحتفالات بهذا النصر على النظام اليوناني، وأطلق المصريين علي الإسكندر لقب الفرعون. بعد ذلك اتجه الإسكندر شمالاً بمحاذاة الفرع الكانوبي للنيل حتى وصل للبحر المتوسط وأمر بإنشاء مدينة أطلق عليها اسم الإسكندرية تخليداً لذكراه. وكان هدفه من إنشاء مدينة في هذا الموقع هو إدراكه لأهميته وإعجابه به. بالإضافة إلى أن تأخذ المدينة الجديدة شهرة وازدهار مدينة صور السابقة، وتصبح قلب إمبراطوريته الناشئة. فكلف أحد معاونيه ويدعى دينوقراطيس الرودسى (Dinocrates of Rhodes) برسم تخطيط للمدينة وأعجب الاسكندر بهذا التخطيط وأمر بتنفيذه، كما كلف كليومنيس وزير مالية مصر من الإشراف على بناء المدينة.
ـ معركة جاوجاميلا (Gaugamela) 331ق.م:
في عام 331ق.م خرج الإسكندر من مصر، بعدما وصلته أنباء بتحرك الملك الفارسي داريوس الثالث من أجل تجهيز جيش كبير لمعركة فاصلة. فوصل الإسكندر إلى صور وأتخذها قاعدة للهجوم على الفرس. وأعد جيشاً مكوناً من أربعين ألفاً من المشاة وسبعة آلاف من الفرسان، ثم اتجه إلى بابل عاصمة الفرس عابراً نهر الفرات حتى وصل إلى شرق نهر دجلة، ومنه سار نحو الجنوب حتى وصل بالقرب من معسكر الفرس في سهل جاوجاميلا. ووجد الملك داريوس الثالث يحشد جيش ضخم. وعرض القائد بارمنيون على الإسكندر الهجوم ليلاً ولكنه رفض، وقال له "أنا لا أسرق النصر". وقام الإسكندر بإراحة جنوده، أما القوات الفارسية فظلت تعمل في تحصين معسكرهِم ليلاً خوفاً من أي هجوم. فأثبت الإسكندر بذلك عبقريته العسكرية. وعند الفجر هجمت قواته على الفرس وبدأ ينهار خط الدفاع الأول للقوات الفارسية، وفر الملك الفارسي هارباً تاركاً جيشه يقاوم الإسكندر، وعلم الجيش الفارسي بهروب ملكهم ففروا هاربين. وبانتصار الإسكندر أصبح الطريق مفتوحاً أمامه إلى بابل.
وصل الإسكندر إلى بابل فوجد أسوارها منيعة، فشرع في حصارها ولكنه وجد القائد الفارسي مازايوس (Mazaius) يفتح أبوابها أمامهِ، ويسلمها له. وعامل الإسكندر أهلها مثل المصريين. وقام بعدة إصلاحات منها إصلاح المعابد الفارسية المدمرة خاصة معبد الإله بعل (Ba'al )، وولى القائد مازايوس والياً على بابل، وهو أول والٍ فارسي يعين من قبل حاكم مقدوني، ولكنه جعل السلطة العسكرية والمالية في أيدي القادة المقدونيين. بدأ الإسكندر بتعقب أثر الملك الفارسي، فأتجه نحو منطقة سوسه (Susa) مقر قصره الصيفي واستولى على قلعتها وكنوزها، ومنها إلى إقليم برسوبوليس (Persepolis) عن طريق مدينة بارسيس (Parses) فوجدها الإسكندر محصنة من قبل التلال، وبها ممر جبلي مرعب معروف باسم البوابات الفارسية (Persian Gates)فقام بالتوغل وسط التلال، ووجد القائد الفارسي آروبرزن (Aroperzen) نفسه محاصر من الجيش المقدوني فسلم نفسه. وفى عام 330ق.م تابع الإسكندر حملته حتى وصل إلى مدينة برسوبوليس واستولى على كنوز قصورها المملوءة بالذهب، وأحرق الإسكندر قصر الملك إكسركيسس (Xerxes) عمداً بسبب تدميره للمعابد اليونانية أثناء حملته على اليونان وأشرف بنفسه على حرقه.
ب) الإسكندر الأكبر وفتوحات الأقاليم الشرقية:
استمر الإسكندر بمطاردة الملك داريوس الثالث حتى وصل إلى ميديا ((Media وهي آخر أقاليم الإمبراطورية الفارسية القديمة. ولم يجد بها الملك الفارسي، فوجده فر هارباً إلى باكتيريا ((Bacteria. فأصر الإسكندر على متابعته، ولكن القدر خيب آماله فوجد الملك الفارسي مقتولاً على يد أحد أمراء البيت الفارسي ويدعى بيسوس (Bessus) وهو ساتراب إقليم باكتيريا، حيث قبض علي الملك داريوس ووضعه بالسجن، لاستخدامه كوسيلة للتفاوض مع الإسكندر. وأثناء هروب بيسوس حاول داريوس الهرب، فقتل وترك في الصحراء. ووجد جنود الإسكندر الملك الفارسي يصارع الموت، فأعطوه الماء فشرب فمات، وعندما وصل الإسكندر وجده قد مات.
كانت لوفاة الملك الفارسي أثر على الإسكندر، حيث قام بخلع عباءتِه ووضعها عليه تقديراً واحتراماً لهذا الملك، وأمر بنقل جثمانه إلى برسوبوليس ودفنه بجوار أسلافه. أما الجيش الفارسي فأعلن ولاءه للإسكندر. ولقد وفرت وفاة الملك الفارسي الكثير من العقبات على الإسكندر المتمثلة في ثورات الفرس لو قتله بيده، حيث لن ينسى الفرس هذا الأمر. بوفاة الملك داريوس الثالث ينتهي عصر الأسرة الأخمينية الفارسية.
بحلول عام 330ق.م أصبح الإسكندر ملك أسيا، فأعلن العفو عن أهلها، ونظم إداراتها فعين قادة الفرس في مناصب الولاة، وجعل السلطة العسكرية والمالية في أيدي القادة المقدونيين. وأراد بذلك إنهاء الفجوة بين العنصر اليوناني الغربي والفارسي الشرقي بهدف إقامة إمبراطورية موحدة، لذلك جمع ثلاثين ألف صبى فارسي ليعلمهم التقاليد والعادات المقدونية واليونانية. وبعدها شرع الإسكندر في القضاء على رموز المقاومة الفارسية المتمثلة في القائد بيسوس الذي فر هارباً إلى بحر قزوين ( (Caspian Sea, فتابعه الإسكندر إلى هناك ودخل تلك المنطقة سلماً وعفي عن أهلها. ثم اتجه إلى إيران ومنها إلى منطقة أريا (Aria) شمالاً فوجد بيسوس يجمع قواته في باكتيريا، وأعلن نفسه خليفة للملك داريوس الثالث ولقب نفسه بالملك إكسركسيس الرابع ((Xerxes IV لذلك قرر الإسكندر محاربته.
في عام 329ق.م استولى الإسكندر على همذان وأثناء وجوده بها علم بوجود تمرد ضده بقيادة القائد فيلوتاس ((philotas ابن القائد بارمنيون. فقبض عليه وحكم عليه بالموت رمياً بالحجارة طبقاً للتقاليد المقدونية. وقد علم بارمنيون بتلك المؤامرة ولم يبلغ عنها، فأمر الإسكندر بمعاقبته بالإعدام وأشرف بنفسه على ذلك. وقسم جنوده إلى فرقتين الأولى بقيادة هيفايستوس والثانية بقيادة كراتيروس. بموقف الإسكندر هذا فإن العلاقة توترت في الفترة الأخيرة بينه وبين بارمنيون بسبب ظهور قادة جدد أصبحوا خصوماً له مثل القائد كالسيثنيس (Calisthenes)، بالإضافة إلى موقفه في موقعة جاوجاميلا. وبعد ذلك قام الإسكندر بتعيين بطلميوس بن لاجوس (Ptolemy of Lagus ) في أركان الجيش وكان بطلميوس أحد الحراس السبعة الخاصة بالاسكندر.
في عام 328ق.م تابع الإسكندر الأكبر حملته متجهاً إلى أفغانستان حتى وصل إلى جبال الهندوكوش ((Hindu kush وأطلق اليونانيون عليها اسم كوكازوس (Caucasus) أي القوقاز. وعبر الإسكندر تلك الجبال حتى وصل إلى نهر جيحون شرقاً، ومنها إلى سهل هالماند (Halmand) وأسس مدينة الإسكندرية عاصمة لإقليم أراخوسيا (Arachosia). ثم سار بجيشه نحو الشمال وعبر ممر الجبال الذي يبلغ ارتفاعه أحد عشرة ألف قدم تقريباً بهدف الوصول إلى بيسوس في بكتيريا. وعلم بيسوس بذلك فقام بإخلاء باكتيريا وأتجه إلى نهر جيحون ومن ورائه الإسكندر بعد أن استولى عليها.
بعد استيلاء الإسكندر على باكتيريا اتجه إلى سمرقند Samarcand)) وقام أحد قادة بيسوس ويدعى سبنتامنش (Spitamenes) بخيانته عن طريق الاتفاق مع الإسكندر بتسليم بيسوس في مقابل تفادى الحرب معه. فقام القائد بطلميوس باستلام بيسوس مقيد الأيدي عاري الجسد وتم تنفيذ حكم الإعدام عليه في باكتيريا. وبعدها أنشأ الإسكندر مدينة جديدة على ضفاف نهر جيحون سماها الإسكندرية. وأقام احتفالاً كبيراً أسرف فيه بالشرب ولم يسيطر على عقله، حيث قام بقتل أخيه كلتيوس وهو أخ للإسكندر في الرضاعة. وعندما استفاق ندم ندماً شديداً على ما فعله. ومن ناحية أخرى لم يمر الكثير من الوقت على ولاء سبنتامنش فتمرد على الإسكندر أثناء غياب جيشه لإخماد تمرد البدو في نهر سيحون.
وفي أواخر عام 328ق.م دبرت مؤامرة لقتل الإسكندر من القائد هيرمولاوس (Hermolaus) بسبب ما فعله الإسكندر الأكبر في قواده. ولكن القائد بطلميوس عُرِف بالمؤامرة فقبض على هيرمولاوس وأعدمه رمياً بالحجارة.
وفى نفس الوقت استطاع الإسكندر السيطرة على تمرد البد وفى نهر سيحون ثم اتجه لمحاربه سبنتامنش فهزمه وأجبره على الفرار، وما لبث جنوده أن قتلوه بأيديهم، وأرسلوا إلى الإسكندر يطلبون الصفح ويعلنون ولاءهم له. وفي تلك الفترة تزوج الإسكندر الأكبر من روكسانا (Roxana) ابنة حاكم باكتيريا وبذلك سيطر على الأقاليم الفارسية الشرقية.
ج) الإسكندر الأكبر يغزو الهند:
ـ معركة نهر هيداسبس) Hydaspes)326ق.م:
كانت الهند جزءاً من إمبراطورية الفرس لذلك أراد الاستيلاء عليها. بالرغم من عدم معرفتهِ بشيء عن تلك البلاد سوى خضوعها للملك الفارسي. ولكن رغبته في السيطرة على مُلك الفرس كانت مسيطرة عليه. وفي عام 327ق.م تحرك بجيشه إلى سهل كابول بعد عبوره جبال هندوكوش. فأرسل إلى زعماء القبائل في إقليم قندهار) Gandhara) يأمرهم بالمثول أمامه والاعتراف بسلطانه على بلادهم. فاستجاب بعض منهم وعلى رأسهم الحاكم أومفيس ( Omphis) صاحب مقاطعة تکسيلا (Taxila). وأصر الإسكندر على محاربة الباقين الذين رفضوا الخضوع له. وفى أوائل عام 326ق.م استطاع الإسكندر السيطرة على سوات (Swat) وأورا (Ora ) وأورنوس (Aornos)، وتميّزت تلك المعارك بالضراوة ا
لشديدة.
وفى الوقت نفسه قام الإسكندر بتقسيم قواته إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول تحت قيادته، والقسم الثاني تحت قيادة القائد هيفايستون، والقسم الثالث والأخير بقيادة القائد برديكاس. وكانت مهمة كل قسم منهم الاستيلاء على جزء من وادي كوفن ( Cophin) وهى منطقة كابول الحالية. وصل الإسكندر إلى غرب باكستان وتقابل مع الملك بوروس Porus)) حاكم منطقة البنجاب (Punjab( في معركة كبرى عرفت باسم معركة نهر هيداسبس. وكانت تلك المعركة أقسى معارك الإسكندر على الإطلاق، وبالرغم من انتصار الإسكندر فقد تكبد خسائر فادحة في الجيش, بسبب استخدام بوروس الفيلة في القتال ولم يكن يعرف الجنود اليونانيين هذا الأمر من قبل. وفي تلك المعركة فقد الإسكندر جواده الشهير بوكيفالوس. وفى الوقت نفسه عرض بوروس التحالف مع الإسكندر، ولقد وُفِق عليه لإعجابه بشجاعته وبسالته في الدفاع عن أرضه. وعُقِد التحالف الذي نص على بقاء بوروس حاكماً على مملكته بعد أضافة الإسكندر عليها أقسام أخرى لم تكن تابعة له. وبهذا ضمن تحكمه بتلك المنطقة البعيدة أشد البعد عن اليونان.
وبعد هذا النصر قام الإسكندر بإنشاء مدينتين على ضفتيّ نهر جهليم ( Jhelum)، الأولى أطلق عليها اسم الإسكندرية نيقية (Alexandria Nicaea) والثانية تحمل اسم الإسكندرية بوكيفالا Alexandria Bucaphala) ) تمجيداً لجواده.
بعد أن أصبح الملك بوروس الهندي حليفاً للإسكندر، أراد الإسكندر مواصلة حروبه فيما وراء نهر الغانج ( Ganges)، لسيطرة على إمبراطورية ناندا (Nanda). ولكن كانت قوات جيشه منهكة من كثرة القتال لأنهم قاتلوا في ظروف مُناخية صعبة لم يعتادوا عليها من قبل. لذلك أعلن الجيش التمرد على الإسكندر لأنهم يريدون العودة، وقام الإسكندر بإراحة جيشه لثلاثة أيام من أجل إقناعهم بالتراجع عن تلك الفكرة لأنه يريد أن يفتح أراضى جديدة. وتحقيق حلمهِ بالسيطرة على العالم حتى جبل هرقل (مضيق جبل طارق )، ولكنه وجد صعوبة في إقناعهم.
في عام325ق.م وافق الإسكندر على العودة، وأثناء العودة اشتبك في معركة كبرى مع شعوب الماليين (Mali) (مدينة ملتان) حالياً. وهزم الماليين في تلك المعركة، ثم قام الإسكندر بحصار حصن الماليين، وبسبب شدة الحصار كاد أن يقتل الإسكندر، حيث قام بأخذ سِلماً وتسلق حائط الحصن فتلقى خنجراً في صَدرهِ، وشيع بين الجيش أنه قتل، ولكن تم إنقاذه. وبعد ذلك أمر بإعداد أسطول كبير مكون من ثمانمائة سفينة تقريباً لنقل الجيش عبر نهر السند ليصل إلى المحيط الهندي بقيادة نيارخوس الكريتى (Nearchus). أما باقي الجيش سار بجوار النهر حتى وصل إلى إقليم كرمان جنوب فارس بقيادة صديقه كراتيروس ثم إلى بابل. أما الإسكندر فاختار أقصر الطرق على الرغم من أنها أصعبها، وهي صحراء ميديا(Media) في جنوب باكستان وإيران لمدة شهرين حتى وصل الإسكندر إلى مدينة سوسة سنة 324 ق.م. بعد تعرضه إلى مخاطر كثيرة في تلك الصحراء.
د) وفاة الإسكندر الأكبر323 ق.م:
في عام 324ق.م وصل الإسكندر مع قواته البرية إلى سوسه، اكتشف بعد وصوله أن العديد من حكّام الأقاليم الذين عينهم قد أساءوا التصرّف في غيابه، فأقدم على إعدام أغلبهم ليكونوا عبرة لغيرهم. كما قام بدفع الرواتب المستحقة لجنوده، وأعلن أنه سيُرسل قدامى المحاربين الذين أصيبوا بإعاقة جسدية إلى مقدونيا بقيادة كراتيروس. لكن الجنود تمردوا عليه، ورفضوا العودة، فأقدم الإسكندرعلى تعيين عدّة ضباط فرس في جيشه، ومنحهم ألقابًا عسكريةً مقدونية، فطلب الجنود المتمردون العفو فغفر الإسكندر لهم.
ومن ناحية أخرى أمر الإسكندر بأقامة الحفلات لمحاولة إنهاء الفجوة بين المقدونيين والفرس، كما أمر كبار ضبّاطه أن يتزوجوا بأميرات فارسيات، وأقام لهم حفل زفاف جماعي في سوسة. وبعد ذلك غادر الإسكندر سوسة إلى بابل. وأقيم على أثر هذه العودة احتفالات كبرى. وتزوج الإسكندر من ستاتيرا (Stateira) ابنة الملك داريوس الثالث، كما تزوج ثمانون من قواده بفارسيات. وأثناء تلك الاحتفالات توفى صديقه هيفايستون بمرض الحمى فحزن علية حزناً شديدا.
ومن ناحية أخرى شرع الإسكندر في تجهيز حملة تتجه إلى بلاد العرب فهي الجزء الذي لم يستولٍ عليه وكان خاضعاً لإمبراطورية الفرس السابقة. لأن العرب لم يرسلوا سفارتهم إليه ليعلنوا الولاء له. كما أراد أن يصل إلى مصر عن طريق البحر. فأرسل حملة استكشافية خرجت من خليج فارس لاستكشاف الساحل الشرقي للخليج من أجل الوصول إلى بلاد العرب واحتلالها فوصلت الحملة إلى جزر البحرين. وقام الإسكندر بضم حوالي عشرين ألف جندي فارسي للجيش من أجل غزو بلاد العرب، ولكن ذلك أدى إلى صدام بين المقدونيين والفرس وتمرد الحرس الملكي.
في عام 323ق.م أقام الإسكندر في بابل اثنى عشر مذبحاً وقدم القرابين للآلهة من أجل هذا النصر. كما خطب في جنوده حيث أشار إلى الميراث الذي تركه له والده وكيف زاد عليه، وأوضح لهم انتصاره على الملوك وحكام الولايات، وإنه مثل الإله حيث لا يوجد بشر يحقق مثل هذه الإنجازات، وبذلك أصبح الإسكندر نصف إله أو بشرى مؤله. وأثناء احتفالات النصر أصيب الإسكندر بمرض الملاريا فجاءته الحمى وظل يعاني منها حتى جاءته المنية في الحادي عشر من يونيه عام 323ق.م. وكان لموته المفاجيء تأثير كبير على قواده حيث إنه ترك إمبراطورية كبرى متسعة الأطراف والحدود دون وريث للعرش أو خليفة له. وبذلك تركت الإمبراطورية في يد قادة الجيش الذي نشب بينهم صراع استمر لمدة نصف قرن تقريباً. وبدأ هذا الصراع منذ اللحظة الأولى لوفاة الإسكندر وكان بداية تفكك وانهيار إمبراطوريته.
توفى الإسكندر بعد حكم استمر ثلاثة عشر عاماً قضاها في حروب متواصلة منذ توليه للحكم عام 336ق.م. تمكن من خلالها وضع تغيير شامل لملامح العالم اليوناني مكوناً إمبراطورية كبرى تضم أملاك الإمبراطورية الفارسية وبلاد اليونان تحت إدارة اليونانيين والمقدونيين وبذلك مهد الطريق للأحداث التي سوف تحدث في العالم اليوناني في القرون الثلاثة التالية.
ونجد أن الإسكندر الأكبر أثناء حملته على الشرق قابل قادة فارسيين عاملهم معاملة حسنة مثلما كان يعامل القادة اليونانيين والمقدونيين، وكان زواج الإسكندر مرتين الأولى من روكسانا بنت أحد أمراء بكتيريا عام 327ق.م والثانية زواجه من ابنة الملك الفارسي عام 324ق.م أدى إلى التقرب بين الشرق والغرب. وكذلك عندما وصل الإسكندر إلى بابل بعد انتهاء حملته على الهند كان ينوي تحويل بابل إلى عاصمة للإمبراطورية ومركز تجاري وبحري هام، ولذلك اهتم بالخليج الفارسي وسهل طريق اتصال بابل بالبحر كما قام بإنشاء مدينة جديدة على مصب نهر دجلة سماها الإسكندرية. وأصبحت تلك المدينة مركزاً تجارياً هاماً وأنشأ أيضاً بها ميناءً كبيراً لخدمة السفن بهدف السيطرة على الخليج الفارسي وبلاد العرب وأثناء الاستعداد للحملة وافته المنية.
وأخيراً أهم ما يميز عصر الإسكندر الأكبر وهو تأسيسه لمدينة الإسكندرية بمصر، وإنشاءه لستة عشر مدينة أخذت نفس الاسم، ولكن الإسكندرية بمصر نالت شهرة كبرى وكانت فكرة بناء المدن عند الإسكندر تشجع حركة الاستيطان داخل أرجاء الإمبراطورية. وينتهي عصر هذا القائد العظيم الذي أصبح أسطورة تتنقل عبر الأزمان حيث دار حوله حوالي ثمانين رواية عن قدسيته وألوهيته.